ملعقة من ذهب !
تهيئة:
يقال لمن ينجح في بيئة مهيئة و مساعدة للنجاح أن هذا الإنسان وُلِدَ و في فمه ملعقة ذهب، و يتناسى من يُطلق هذه العبارة أن ملعقة الذهب قد تصنع النجاح و قد لا تصنعه فالوصول للنجاح مرهون بقدرة الشخص على السعي لتحقيقه و المعروف بين الناجحين و من يريد النجاح أن انصع صفحات النجاح كُتبت و تُكتب و ستُكتب فصوله - بمشيئة الله - بوجود هذه الملعقة و بدونها في أكثر الحالات.
فالناجحون صدقاً هم من نحتوا طريق النجاح و ذللوا الصِعاب - بعد توفيق الله - و رسموا لأنفسهم خارطة نجاح.
النجاح هي كلمة تصْف جميع ما يحققه الإنسان يكسبه أو يكتسبه و لا تقتصر على جانب معيٌن في حياة الإنسان، و لعل المعنى الفضفاض للنجاح يصعّب من مهمة إيجاد تعريف واحد له.
فالإنسان بطبيعته يُحب أن يكسب و يكتسب و بالطبع أن يكون ناجحاً و لا يرضى بالخنوع و ارتداء جلباب الفشل و إن ارتداه فهو أول من يحارب ليعود و يتخلّص منه و ينجح.
ليس عيباً أن يتذوق أو يتجرّع هذا البشري المكافح مرارة الفشل و أن يفشل مرة و مرتين و ثلاث، لكن العيب أن يتوقف عن المحاولة للوصول لدرب النجاح و تحقيق ما اخفق في تحقيقه خلال محاولاته السابقة.
تخاطر فكري:
بداية مع فكرة ملعقة الذهب قد يتبادر إلى ذهنك أن الناجح يجب أن يقال عنه ما يقال لتثبيط عزيمته أو يجب أن يُحارب أو يحاك له ما يجعله يفشل؛ و لكن الحقيقة أن الناجح الحقيقي هو من يصل لدرجة من الوعي ليتقبل جميع الأراء الداعمة و المثبطة و يستفيد مما يفيده و يجعل من الأصوات النشاز سلّم يرتقي به ليصل لنجاحه التالي، فالناجح حرّيٌ به فهم المحيط به ليتمكن من تسخير الأدوات المتاحة لرسم نجاحه ضمان ديمومته.
و بما أن النجاح طبيعة بشرية، فهو بطبيعة الحال لا يقتصر على مجال واحد محدد.
الإنسان قد ينجح بمجالات متعددة و يفشل في مجال معيّن و كذلك يتفاوت البشر في مقياس النجاح الشخصي.
أول الجوانب المهمة للإنسان وخصوصاً المسلم، و الجانب الأهم من النجاح و هو ما ينعكس على الجوانب الأخرى، لذلك أرى أن الأحرى بك أن تبدأ قصة نجاحك من هذا الجانب.
أن تنجح دينياً في علاقة بخالقك - سبحانه عزّ و جل - و يكفي أن تعرف خالقك المعرفة.
نعم أن تدين الله كما أُمرت و تستقيم؛ أن تتعلم كيف تطيع أوامره و تحترم حدوده و تجعل تديّنك خالصاً لوجه و منه ترجو التوفيق لكي تنجح بكل أمور حياتك و يدوم نجاحك.
و الحياة مليئة - الحمد لله - بمقومات النجاح الديني و لست الشخص الذي يفقه كفايه ليرسم لك خارطة طريقك و لكن اؤمن أن الله يهدي بهُداه من يشاء و يكفي أن تسعى و تقصد هذا الطريق بكل جوارحك لأنه بعد توفيق الله ملعقة الذهب التي ستسخّر لك النجاح بكل أصنافه و أنواعه.
بعد ذلك النجاح العلمي و العملي، و هنا يختلف البشر بحسب مهاراتهم الموهوبة لهم - من خالقهم - و مهاراتهم المكتسبة من تجاربهم و هذا النجاح يتكون عند التركيز بالمجال الذي يحبه و يبدع فيه الإنسان مع أهمية وجود الإرادة القوة والصبر المتأصل في مجاهدة النفس و إكراهها لتحقيق ما يُرام.
فالناجحون علمياً و عملياً، اوجدوا و وجدوا طرق لتخطي الصعاب في سبيل تطوير أنفسهم و مكتسباتهم الشخصية.
اضرب مثال بك أنت! قد اوجدت لنفسك الوقت لتعلم اللغة العربية و جاهدت نفسك و جعلت لها وقت لتقرأ و تطوّر من نفسك و ليتكمل النجاح يجب أن تعمل بما تعلمته.
فالنجاح لا يقتصر فالحصول على درجة علمية إذا كان الإنسان لن يعمل بها أو ينقل ما تعلمه خلال حصوله عليها.
وبذلك العمل بالعلم يكون جزء من كل نجاح أخر و يجعل من وجوده ضرورة في طريق النجاح.
النجاح الإجتماعي و المجتمعي، و هذا النجاح يتمحور حول خلق بيئة من حولك محفزة و عليك صناعتها لتكون داعمك من جانب، و من جانب آخر المشاركة الفعّالة و صنع التغيير في هذه البيئة المحيطة فلا يكفي أن تصنعها و تجعلها تدعمك و أنت بالمقابل تفشل في العطاء و جودة النجاح في هذا الجزئية تحدد النجاح في الجزئين السابقة.
فالذي ينجح إجتماعياً في وجود علاقات طيبة تساعده في النجاح و قائمة على أخلاقيات سليمة لن يجد صعوبة في الإستمرار بالنجاح و كذلك وجود مردود مجتمعي من خلال نقل التجارب و مشاركة النجاح و ضمان انتقال هذه الثقافة للأخرين و جعل النجاح الشخصي ينعكس على الجميع.
لا تكتفي بالبحث عن الناجحين و العيش في ظلال نجاحهم و لكن اصنع نجاحك و كن عنصر فعّال ينقل النجاح و يزيد من الناجحين.
بالإضافة لما سبق فالنجاح قد يكون في إدارة أمورك المالية بشكل سليم لتدعم نجاحاتك الأخرى.
النجاح في تكوين أسرة تنهض بالمجتمع و تربية أبناء و بنات صالحين مصلحين يخلدون اثرك.
النجاح في رد الجميل لوطنك من خلال الحفاظ على ممتلكاته و تطوير ما يمكن تطويره من خلال عملك و مهاراتك.
النجاح مصطلح فضفاض و يكفي أن تكتسب كل يوم شيء جديد و لا تجعل من الفشل المتكرر عائق للعودة و تحقيق هذا النجاح.
فالنفس البشرية بقدر ما تنجح و تتذوق حلاوة الحصول على شيء بعد جهد جهيد، يصبح لديها شهية منفتحة للنجاح و رغبة جامحة للمزيد منه.
و قد يصل بها لإدمان النجاح و السعي لأكبر قدر من النجاحات، لذلك لا ينبغي لعاقل بإستصغار أي نجاح و بالمقابل جعل هذا النجاحات الصغيرة وقود لتحقيق نجاحات أكبر و أعظم منها.
خاتمة:
تعمدت عدم ذكر جانب من أهم النجاحات أعلاه و هو النجاح المتمثل في رد جميل والديك عليك سواءاً أحياءاً أو أموات و العمل على تخليد ذكراهم و الاقتطاع من وقتك الخاص لهم و تلبية احتياجاتهم و هم بعد الله و توفيقه وسائل لطريق النجاح من خلال دعمهم و دعائهم.
طريق النجاح الحقيقي أكبر من أن يختزل في ملعقة من ذهب!
طريق النجاح الحقيقي أكبر من أن يختزل في ملعقة من ذهب!
[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]
نايف العيسى
٢٠١٨/مايو/٠١
تعليقات
إرسال تعليق