حاجز الزَيف...
مُسلَّمات و مفاهيم:
الأصل أن التراب و الماء مُزجا بأمرٍ ربّاني -سبحانه من يقول للشيء كُنْ فيكون- ليكونّا ما يسمى اليوم إنسان.
ذلك المخلوق تفكّر و فكّر و دبّر و تدبّر و في هذا المفهوم العميق أبحر ؛ أنقل ما قرأت و ما نُقِل إلى مسامعي عن كثير من العلماء و الفلاسفة و المفكرين ممّن قالوا أن التُربة المكوّنة للشخص قد تحدد بشكل مباشر أو تؤثر في تحديد شخصيته الحقيقية.
ليس هذا فقط فالبعض توجه للقول أن تنّوع درجات لون التُربة الطبيعية انعكست بشكل نمطي أدّى إلى تنّوع أعراق و ألوان جنس الإنسان.
قد تبدو هذه المُسلَّمات و المفاهيم بداية جيدة لموضوع فلسفي يُجادل في الإنسان و تركبيته لكن هذا فقط بالمفهوم البسيط و هو ما لا أريد مناقشته.
في نفس سِياق الكلام لكن بمنظور مختلف ، أتساءل في نفسي و منه لنصل للتعقّل الذي يريد الله لنا ، ما الذي يميزك أنت كإنسان أو بشكل عام ما الذي يمّيز البعض عن البعض الآخر إذا كان أساس وجود الجميع من العَدم هو حُفنة تُراب امتثلت لقول ربِّها؟
تأملات:
العنصرية ليست وليدة موقف غير طبيعي أو لحظة سيئة في تاريخ البشرية إنما هي نِتاج تحولات كبيرة في تفكير البشر الإيدولوجي الذي أدّى لجعلهم يتفاخرون بأشياء زائفة قد يتقصر وجودها على مجتمعهم الصغير و قد لا تعني شيئاً في كثير من الأحيان في بعض المجتمعات الأخرى.
بمعنى اوضح و كمثال بسيط ، في بلادي و نحن من نمثل المجتمع المسلم المتبع لـ سنة الرسول محمد -صلَّى الله عليه و سلم- اُبتلينا بمن أعاد إحياء سنن الجاهلية و جعل النَسب و الحَسب و المال و الجاه وسائل لنبذ الآخر و زرع التفرقة و نشر العنصرية في حين أن كل ذلك قد لا يعني شيئاً و لا يجعل منك إنسان مميّز عندما تغادر مجتمعنا.
لتوضيح أكثر ؛ الطبقية و العنصرية و الأفضلية على حِساب الآخرين تتواجد في كثير من المجتمعات الأخرى التي نعتبرها متحضّرة و متقدمة و لكن صدقني ستختلف المعايير و لن يُنظر لك كـ شخص ذو سلاسة نادرة أو عريقة أو ذو منصب أو ذو جاه و لن يُميّزك عن غيرك أبداً ما كنت تدعيْه في مجتمعنا لأن لكل مجتمع طريقته في إبداء عنصريته.
و لجعل هذا أعمّ و أوسع من المنظور المحلي سأحاول ذِكر بعض الأمثلة التي تجلّت فيها العنصرية بأشكال دنيئة.
أولاً؛ العنصرية قد تكون في اللون و من أشهرها التخلف الأمريكي الذي لم ينتهي إلّا قبل سُنون قليلة ، فتخيل أن يتم عزلك من المشاركة في المجتمع بسبب لونك!
تخيل أن يخصّص لك مستوى معيشي متدنّي بسبب لونك! تخيل أن تعامل طِبقاً لشيء لم تختاره!
لون الجلد لم يكن يوماً خياراً لبني البشر ، و كأني أتخيل مارتن لوثر كينق يصرخ يا ليت قومي يعلمون.
للأسف يعيدنا هذا المثال إلى المربع الأول و يدعونا إلى التفكر في التُربة التي شكلتنا جميعاً و كيف أن اللون لن يجعل أحداً منّا أفضل من الآخر و ذلك لأن الأصل واحد!
شكل آخر؛ عنصرية الأديان و الثقافات و اللغات و أشهرها عزل الأقليات الدينية أو الثقافية أو اللغوية من مجتمعاتها و التقليل منهم و التهجم عليهم و الأمثلة تطول في هذا الشأن.
هنا يحق أن أذكر أن العنصرية داءٌ خبيث جرمّته الأديان السماوية و لعلي أيضاً استذكر هنا قول النبي -صلَّى الله عليه و سلم- لأصحابه : ((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)).
حقاً إنها منتنة ، لذلك اعتقد أن البشرية لن تجد نهياً واضحاً و صريحاً أفضل مما قال نبينا -صلَّى الله عليه و سلم- .
ومضة:
من الناس من يأول قول النبي -صلَّى الله عليه و سلم- :"أنا النبي لا كَذب ، أنا إبن عبدالمطلب" لأسبابه الخاصة و لجعل قول النبي وسيلة تخدم تفاخره العنصري و تصوّره في عيون الخلق على أنه محمود و هدي نبوي.
أقول خسئت! لم يكن قول النبي -صلَّى الله عليه و سلم- إلا للخبر و شدّ هِمة أصحابه في أرض المعركة و يحق له أن يقول ما يقول بأبي هو و أمي -صلَّى الله عليه و سلم- .
خِتام:
الميزان الربّاني يقول أن التقوى هي وحدة الفصل يوم الدِين.
و لا تميّيز بـ لون و لا طائفة و لا عِرق و لا دين و لا لغة و لا نسب و لا حَسب و لا مال و لا جاه.
و لك أن تتذكر أن أسياد سادات قريش اُدخلوا القبور أذلّة صاغرين و كثير من بسطاء قريش ممن اتبع النبي شُهد لهم بدخول الجنة.
لذلك صِدقاً لا أتوقع من إنسان عاقل أن يختبىء خلف التُرْهات و يقعد حبيسها للأبد.
لا بد من لحظة يتبين فيها الحق و تُشرق شمسه لتكشف حاجز الزَيف...
[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]
لا بد من لحظة يتبين فيها الحق و تُشرق شمسه لتكشف حاجز الزَيف...
[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]
نايف العيسى
٢٠١٧/أغسطس/٢٣
تعليقات
إرسال تعليق