التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قلب تائه بمحْض إرادته...

توقف! لا تَعْجل بخُطاك! دعنا نمشي الهوينا فكل جزء من الثانية معك هي سنين من السعادة بالنسبة لقلبي.

قلب تائه بمحْض إرادته...

نثر أفكار:

التَيه في اللغة يحتمل معاني عديدة و لكن ما أجده غريباً في العنوان هو وجود الإرادة  و مُطلق الإصرار للمُضي فيه ، فمثلاً قد يُقال لمن يطول تحديقه في شيءٍ ما أنه تائه الفِكر أو شارد الذهن أو مضطرب البصيرة و هذا ليس كل ما يتعلق بـ التَيه في اللغة ؛ فالتائه هو أيضاً من يَضلّ الطريق و لا يعرف طريقاً لعودته أو من عَلِق في مكان لا يعرف طريق خروجه منه.
لتخفيف غرابة العنوان سأفصّل قليلاً في العبارة "محْض الإرادة" ، سأبدأ مع الجزء الثاني و هو "الإرادة" هي الرغبة التي تدفع الشخص لفعل أي أمر ، و ذلك يتلخّص في كُل ما يفعله أي إنسان و هي الهِمّة و العزيمة على إتمام الفعل و مثال ذلك رغبة كتابتي للنص و رغبتك لقرائته.
بَقْي أن يُفهم ما هو الـ "محْض" ، و يمكننا القول أن هذه الكلمة تعني الشيء الخالص الذي لا يشوبه أي منغًّص يعاكسه و يستنقص منه ، و يتضح أن التَيه المقصود هو بإرادة خالصة لا يشوبها أي تردد.
لك أن تتعجب كيف أن يتوه شخص و هو يريد حقاً ذلك!
يحصل في عالمنا المليء بالصدف الجميلة والمثيرة أن تجد شخص لا يحمل في شرايينه الدم الذي تحمله و ليس من أهلك ولا من عشيرتك الأقربين و لكنّه سَكْن مكاناً في قلبك أنت وحدك تعلمه و يصعب عليك تحديده و تسميته ، و تعلم أنّه لم يكن ليُسمى صاحب أو صديق أو حبيب لأنه شخص جمع كل التسميات و جعل منها عرشاً من السعادة يسكن أيسر صدرك.
ذلك الشخص يَخلق فيك من الإضطراب و التيهان ما الله به عليم ، و مع إستمراره بالعبث بتركيبتك العاطفية تجد أنك تائه فيه و لا تريد العودة لحياتك السابقة التي تخلو من وُجوده.
قد لا يعرف ما يدور من شرود و صِراع في عقلك الواعي لأنك في الغالب لن تجعل تصرفاتك تُبدي له ما تخفيه ، وهذا هو التَيه ؤ أخشى إن لم تتحدث قبل فوات الآوان أن تتحطم بشكل مريع يصعب عليك تحمّله فيما بعد.
حاول أن تُكمل القراءة و تُحلّل ما يُكتب و بدورك ستحدد من هذا الشخص ، و نصيحتي لك أن تُعجّل بقرارتك الصائبة.

خواطر قلبية:

الأرواح تألف و تَنفر و تُحب و تُبغِض كما هي السنة الإلهية في جميع خلقه ، و البشر بطبيعة أغلبهم يميلون للعاطفة أكثر من العقل في الحِفاظ على علاقاتهم التي تمّس القلب و لكن هناك إستثناءات تستحق منّا الوقوف عندها.
كيف لقلب أن يمضي في علاقة لا يدري ما نتيجتها؟
كيف لقلب أن يرضى بالوجود على الهامش؟ 
كيف لقلب أن يكتم و هو لا يعلم مصير ما يخفي؟
من الجميل أن تجد الشخص الذي تحسس بالأمان معه و من الأجمل أن تجد فيه كل ما تريد وقت ما تريد ، و لكن من المخيف أن لا يعلم ما تخفي عنه.
بالفعل قمة الخوف أن تراهن على شيء لا تعلمه و لكن كُل هذه التساؤلات لا تمنع القلب من مواصلة المسير في الطريق الذي يهواه.
الدفء و اللذّة الذي يجدهما هذا القلب المُثقل تجعل منه عبداً عند أبواب القلب الذي يريده.
كل ذلك تذكر أنه تحت مستوى الإدراك بالنسبة للشخص الأخر ، و يدعم مقولة أنّك حقاً تائه.
تخيل لو أنك تقدمت خطوة و أخبرت!
لا تفكر في الفشل لأنك ستفشل و لكن فكّر في طعم العيش في علاقة بكل عاطفتك على بيّنة.
السعادة التي تشعرها عند إقتراب ذلك الشخص ستكون بليون ضعف إذا علمت أنه يبادلك ما تشعر به.
اللذة و الإهتمام أيضاً ؛ فكل ما تفعله لأجله يعود إليك أضعافاً مضاعفة و كل ما تريده يأتي إليك قبل أن تُفكر في طلبه.
هذا الإنسان هو ما سيجعل لحياتك طعماً لم تكن لتعرفه لو أنك أطلت الصمت.
لذلك لا تطيله!
لا تؤجل الفرح و الراحة اللذان قد يجعلون منك أسعد مخلوق على وجه المعمورة حين تجد القَبول من الشخص الأخر.
كل الطاقة التي تستنزفها للتفكير فيه هي فعلاً ليست مهدرة و لطالما سيُحسس بذلك الإهتمام منك و سيكون المبادر لولا أنك لم تَتحفظ.
الأغلب لديه ذلك الشخص و بطريقةٍ ما تقاطعت الطرق لتجده بين يديك.
لا تفرط في محاسن الصدف فهي ليست كثيرة هذه الأيام.

خِتام:

قد يكون مسموحٌ لك أن تتوه بمحْض إرادتك لكن يستحق قلبك منك أن تكون شُجاعاً و تُفصح عمّا يخالجه و يُسعده ، فلكل قلبٍ مقدار تحمّل و لك أن تتوه بقدر ما تشاء و لكن لتتذكر أن قلبك سيصل لمرحلة يتحطم فيها و لا يثق بك مجددا بعدها.
أنت من قررت أن تأسر مخيلتك بذلك الشخص و هو يستحق كل ما تفعل لكن تحقق من كونك شخصاً في جدوله اليومي أو على الأقل أنك تدور في باله بُرهة من الزمن خلال يومه.
لا تجعل الخوف يسيطر عليكو يُفشل مخطط سعادتك ، فالإهتمام بابٌ للقَبول و لك ما أردت إذا أردت أنت فعلاً.
قد تحمل كل المتضادات في قلبك لكنّك تنام خالي البال.
و قد تحمل هذا الشخص و لا يهنأ لك بال لأنك لا تعلم مصيرك معه.
ترّجل عن حصان الصمت و اطلق العنان لما تشعر به و لا تخشى أي شيء.
ماذا لو كنت أنا ذلك الشخص؟ ماذا لو كنت أنت ذلك الشخص؟
دع كل من يراك يعرف أنّك شجاع و فخور بما فعلت و يتأكد أنك سعيد و مستلذ بجانب من اخترت و حينها تبرهن أنّك تحمل قلب تائه بمحْض إرادته...


[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]



نايف العيسى
٢٠١٧/أغسطس/٢٩

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأنا طريق الضَلال..

الأنا طريق الضَلال .. همسة : الأنا تجعلك وحيداً منبوذاً غير مستساغ و تائه تماماً مثل هذه الغيمة المسكينة. واقع: كثرة تكرار الأنا تجعل   من الشخص فرعوناً لا يرى إلا ما يصنع حتى و إن لم يكنّ ذا قدرة ، الأنا تتجلى بها قذارة النفس و خُبث هواها و بها تضيع دفّة التوجيه ليصبح صاحبها نَكرةً و منبوذ من كل من يعرفه . يستحق ذلك لأنه اختار أن ألّا يرى إلا   نفسه . فضفضة : يكبر الإنسان في أعين من يجالس و يُصبح ذا قيمة عندما يتغلب على ذاته و يشارك غيره في ادّق تفاصيل الحياة . و بالمقابل طبعاً يَصغر و يَتفه و يُسفه شأنه إن وقع حبيس نفسه و طغت عليه الأنا . مرض الأنا أصبح داء العصر و درب ضَلال حينما سَلكه ثُلّة من الغافلين . فالحقيقة أنه ليس عيباً أو نقصاً أن تعترف لغيرك   بتفوقه   و تقدمه عليك . ليس من العقل أن تكون أنت بطل العرض و نجم التذاكر و محبوب العالمين لمجرد أن نفسك اوهمتك ذلك . النفس تهوى الغرور و تحب دهاليزه و مس...

لو أن لي كرّه!! 💔

لو أن لي كرّه!! 💔 واقع: تأكد أن الندم و الحسرة في هذه الحياة الفانية ستزور قلبك ملايين المرات و لأسباب مختلفة شئت أمْ أبيت. قِصة و موقف: تأثرت حقاً عند سماع حسرة أب كسير مُثقل بالدموع عن فقد إبنه الذي لم يخبره بما يُحسّ حقاً تِجاه ما يفعله. كيف ذلك؟ دعني أسرد لك تفاصيل هذا الموقف بإيجاز شديد. بينما كان يعمل الأب في السِلك العسكري رأي ما يُرى من كَبد و جَلد فتمنى لـ إبنه أن يكون من طلبة العلم و مرتادي الجامعات لا أن يسلك طريقه و يمر بنفس ما مر به. تمر الأيام و يتقاعد الأب و يتفاجأ برغبة إبنه التي كانت تأخذه لطريق أباه بمواصلة الذود عن أراضي وطننا الغالي ؛ كان الأب يُظهر لإبنه عدم تقبله بقراره هذا. ذهب الإبن و مرت الأيام و كُلُّف في مهمة كانت من أطهر ما يفعل إنسان في حياته ؛ كان قد اختير للذهاب لجنوب المملكة لخوض الحرب في سبيل أمان الحرمين الشريفين و عامة المسلمين في هذا البلد الأمين بإذن الله. بعد فترة ليست بالبعيدة يصادف أن يستشهد الإبن و ينال ما سعى إليه من عز و شرف و منزلة في سبيل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" ؛ و هاهنا وُضع خط اللاعودة بين الأب...