التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حـــكـــايـــا مـــدائـــن !!

حـــكـــايـــا مـــدائـــن !!

نثر أفكار:

تعلّق الإنسان ببلد يضم أركانه أو وطن يحتضن مسكنه أو مدينه تهمس له بترحابها الدافئ هو فِطره إنسانيه محضّه.
و هنا لنا في رسولنا محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ مضرب المثل حينما خاطب مكة المكرمة و جبالها و أوديتها وقتما أُخرج منها مُكرهاً فقال : (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك) رواه الترمذي.
كيف لا نحب الأرض و هي بذرة نشأتنا الأولى ، أولم نكن يوماً حُفنة تراب قد خلطت بماء الخلق و من طينتها أُخرجنا؟
صدقاً؛ أن كُل ما يدور في بالك من حبك و تعلقك بأرضٍ و مكان ما هو أساس من تركيبك الإنساني.
مثال على ذلك ، قد تسافر و تجول أنحاء المعمورة و تستقر في أبهى المدن و أجملها و اضجّها و اوسعها لكن يبقى فؤادك حبيس جدران بيتك الواقع في بلدتك الصغيره ذات المخبز المتهالك و الشوارع المهترئه و الهدوء المخيف.
لا تتسائل كيف لم يأنس قلبك تلك المدن المترامية الأطراف ذات الشواطئ الزرقاء و الرمال الذهبية و الزحام الخانق و الطبيعة الخلابة و التمدن الطاغي الذي يعرف في حاضرنا من مشاهدة الناطحات التي تخترق الغيوم كوتد في السماء.
حب البلاد أو بالأصح المدائن التي تحوي مسكن قلبك قبل أن تحتوي بيتك و مسكنك هو طبيعه خُلقنا لنعيد تكرارها بين الأجيال.

مدائن مختلفه:

هنا ابدأ بأن تعلقنا ببعض المدائن دون بعض يفسّر وجود ما قد يُرى بوضوح تام على أشكال متعدده للحب والتعلق بالأرض أو المكان أو المدينة.
فالإنسان الذي يكرر زيارته لـ مكة المكرمة و المدينة المنورة تعلقّه بالمكان و ديني و روحاني و شعائري وعقيدي و فطري ، لأن الله قد أمّنهما و حفظهما و اودع فيهما بيته و اخر انبيائه و جعلهما قِبلة للزائرين و مهوىً للأفئدة و مقصداً للنفوس.
اعتقد أن لا احد من المسلمين خاصةً دون العالمين لا يهوى فؤاده الذهاب للحرمين الشريفين ، لأن هذا التعلق و الحب الروحاني مرتبط بما تُحسس به نفوسنا و تأنسه فيهما عند الزيارة و المكوث ولو لبُرهة في حناياهما.
إنسان آخر قد يقضي نَحبه و هو لم يغادر أركان قريته العتيقة ، كيف لا؟ قصص كثيرة تروي تفاصيل هذا الحب و أبسط من يبرهن على ذلك هو عدد كبير من أجدُادنا الذين اكتفوا بما آتاهم الله من مزارع و مواشي اغنتهم عن سَلك طُرق التمدن و هَجر قُراهم ذلك لأن نفوسهم اقتنعت بأن الأرض المعطاء التي سكنوها لم تبخل عليهم يوماً بخيرات ربها الكثيرة.
و هنا استحضر الواقع الذي اعرفه جيداً و هو أن كثيرٌ ممن اعرف بدأ ما اسميّه الهِجرة العكسية من التمدن للقرى سيراً على طُرق من قبله و كتابةً للعوده إلى المكان الذي يأنسه.
هنا أيضاً قد اجد مكانا لكتابة نفسي و تعلقها بحُب مدينة جده و كل تفاصيلها.
نعم قد يكون السبب هو الإستقرار فيها لكن لا اجد تفسيراً غير أن الحب و التعلق في حالتي هو وجداني و يميل ليكون فطري بسبب ولادتي فيها.
نعم رغم ذهابي بعيداً و رؤيتي لأماكن و مدائن أفضل لكن لم أجد ما يعوضها صخباً و زحاماً و حُباً.
هنا يفُسّر كيف للقلب أن يكتب على النفس أن تهوى مدائن دون غيرها و كيف الحب يتغير و يتنوع بين الناس و في الأرجاء.

خِتام:

هذا التعلق الذي تشعر به نفوسنا تجاه بعض المدائن يرسم بالواقع المعاصر ما استطيع أن اسميّه حكايا مدائن!!


[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]

نايف العيسى
٢٠١٧/يونيو/٠٣

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأنا طريق الضَلال..

الأنا طريق الضَلال .. همسة : الأنا تجعلك وحيداً منبوذاً غير مستساغ و تائه تماماً مثل هذه الغيمة المسكينة. واقع: كثرة تكرار الأنا تجعل   من الشخص فرعوناً لا يرى إلا ما يصنع حتى و إن لم يكنّ ذا قدرة ، الأنا تتجلى بها قذارة النفس و خُبث هواها و بها تضيع دفّة التوجيه ليصبح صاحبها نَكرةً و منبوذ من كل من يعرفه . يستحق ذلك لأنه اختار أن ألّا يرى إلا   نفسه . فضفضة : يكبر الإنسان في أعين من يجالس و يُصبح ذا قيمة عندما يتغلب على ذاته و يشارك غيره في ادّق تفاصيل الحياة . و بالمقابل طبعاً يَصغر و يَتفه و يُسفه شأنه إن وقع حبيس نفسه و طغت عليه الأنا . مرض الأنا أصبح داء العصر و درب ضَلال حينما سَلكه ثُلّة من الغافلين . فالحقيقة أنه ليس عيباً أو نقصاً أن تعترف لغيرك   بتفوقه   و تقدمه عليك . ليس من العقل أن تكون أنت بطل العرض و نجم التذاكر و محبوب العالمين لمجرد أن نفسك اوهمتك ذلك . النفس تهوى الغرور و تحب دهاليزه و مس...

لو أن لي كرّه!! 💔

لو أن لي كرّه!! 💔 واقع: تأكد أن الندم و الحسرة في هذه الحياة الفانية ستزور قلبك ملايين المرات و لأسباب مختلفة شئت أمْ أبيت. قِصة و موقف: تأثرت حقاً عند سماع حسرة أب كسير مُثقل بالدموع عن فقد إبنه الذي لم يخبره بما يُحسّ حقاً تِجاه ما يفعله. كيف ذلك؟ دعني أسرد لك تفاصيل هذا الموقف بإيجاز شديد. بينما كان يعمل الأب في السِلك العسكري رأي ما يُرى من كَبد و جَلد فتمنى لـ إبنه أن يكون من طلبة العلم و مرتادي الجامعات لا أن يسلك طريقه و يمر بنفس ما مر به. تمر الأيام و يتقاعد الأب و يتفاجأ برغبة إبنه التي كانت تأخذه لطريق أباه بمواصلة الذود عن أراضي وطننا الغالي ؛ كان الأب يُظهر لإبنه عدم تقبله بقراره هذا. ذهب الإبن و مرت الأيام و كُلُّف في مهمة كانت من أطهر ما يفعل إنسان في حياته ؛ كان قد اختير للذهاب لجنوب المملكة لخوض الحرب في سبيل أمان الحرمين الشريفين و عامة المسلمين في هذا البلد الأمين بإذن الله. بعد فترة ليست بالبعيدة يصادف أن يستشهد الإبن و ينال ما سعى إليه من عز و شرف و منزلة في سبيل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" ؛ و هاهنا وُضع خط اللاعودة بين الأب...