التخطي إلى المحتوى الرئيسي

غُربة طفل...

غُربة طفل...

قصة:

حلم الإبتعاث و النيّة في خوض تحدي الغُربة بدأ في أواخر المرحلة المتوسطة حين اُبتعث احد الاقرباء للولايات المتحدة الأمريكيه انذآك ، في ذلك الوقت الطفل الذي بداخلي قرر أن يحلم و يتمنى و يتمتم لنفسه الشَغوفه و الطَموحه أن نصيبه قد يذهب به إلى هناك عندما يحين الوقت المنشود.
مرّت السنين و هذا الحلم يكبر لدرجة أنه أصبح الدافع الوحيد للصبر على مشقة التعلّم ومصاعبها المختلفة.
حقاً يتعب الجسد إذا كبرت النفس بأحلامها؛ تارةً اقول أنه اقترب الوقت و تارةً أخرى أتمتم أنه ابتعد و أصبح كالسراب ، و بين هذين الموقفين المتعاكسين يتحدد مصير حُلم الطفل.
أتت المرحلة الثانوية و انتهت بكل تفاصيلها الحلوة والمرّة لكن من هناك دخلت متاهة التقديم على الجامعات و البحث عن مستقبلي و وجهتي.
لم أكنّ مشتتاً لكن وجود أكثر من خَيار كان فعلاً كالمتاهة.
تدور الأيام و يأتي اليوم الذي اصطحبني فيه أبي طوعاً لرغبتي و دعماً لي كي استخرج جواز السفر رغم أنّي أتممت يومها التقديم على جامعات متمّيزه داخلياً لكن كان مع ما أردت و ما كان أولوية لدي ، البعثة.
في خِضم هذا الأمر و الانتظار للحصول على فرصة الإبتعاث ؛ اخذت بـ نصيحة أمي التي كانت معارضه جزئياً لفكرة السفر و الغُربة ، نعم بدأت بالدراسه هُنا لحين ضمان الإبتعاث و هو و الله أعلم الصوّاب يومها.
تمر الأيام و يجري الفرز و اُبشّر في الليله الأولى من نوفمبر بقبول ملفي في بعثة الملك عبدالله - رحمه الله - ، ما كان حلماً اقترب أن يصبح حقيقه.
بعدها بفترة وجيزة تُجرى المقابلات و يُصبح السفر قاب قوسين أو أدنى يومئذ تقدمت بإنسحاب من الجامعة و حزمت حقائبي السفر و أتممت أمور الفيزا و حجز التذاكر في أقل من أسبوعين.
حقاً أصبح الطفل يعيش الحلم الذي كان ينتظره ، نعم اتأتت الغُربة بكل تفاصيلها و طُرقها و دهاليزها.
سافرت و ودعت من أحب بالدموع و الدعوات على أمل أن أعود لهم بما تمنى الطفل الذي بداخلي.

خلاصة:

قد تكون من تكون! لابد من وجود طفل بداخلك يأنس خوض الصِعاب و يجعل من حياتك ساحة للشغف و الحماس و الإثارة.
نصيحتي أن تتبعه عقل و حِكمة و تفكّر.
فمن يعلم كمّ المسؤوليات المترتبة على هذا الطفل؛ و هل هو قادر على الإيفاء بما يريد؟
اليوم و بعد ما يتجاوز السنتين في الغُربة لا زلت اتعلّم منه الصبر و ما زال هو دافعي و عندما أريد أن اتشجّع أقول: ألم ترى أنه حلم و تمنى و تمتم و حقّق؟
لقد استحق أن تكون له غربة تسمى "غُربة طفل".

[سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، استغفرك و أتوب إليك.]

نايف العيسى
٢٠١٧/مايو/٢٦


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأنا طريق الضَلال..

الأنا طريق الضَلال .. همسة : الأنا تجعلك وحيداً منبوذاً غير مستساغ و تائه تماماً مثل هذه الغيمة المسكينة. واقع: كثرة تكرار الأنا تجعل   من الشخص فرعوناً لا يرى إلا ما يصنع حتى و إن لم يكنّ ذا قدرة ، الأنا تتجلى بها قذارة النفس و خُبث هواها و بها تضيع دفّة التوجيه ليصبح صاحبها نَكرةً و منبوذ من كل من يعرفه . يستحق ذلك لأنه اختار أن ألّا يرى إلا   نفسه . فضفضة : يكبر الإنسان في أعين من يجالس و يُصبح ذا قيمة عندما يتغلب على ذاته و يشارك غيره في ادّق تفاصيل الحياة . و بالمقابل طبعاً يَصغر و يَتفه و يُسفه شأنه إن وقع حبيس نفسه و طغت عليه الأنا . مرض الأنا أصبح داء العصر و درب ضَلال حينما سَلكه ثُلّة من الغافلين . فالحقيقة أنه ليس عيباً أو نقصاً أن تعترف لغيرك   بتفوقه   و تقدمه عليك . ليس من العقل أن تكون أنت بطل العرض و نجم التذاكر و محبوب العالمين لمجرد أن نفسك اوهمتك ذلك . النفس تهوى الغرور و تحب دهاليزه و مس...

لو أن لي كرّه!! 💔

لو أن لي كرّه!! 💔 واقع: تأكد أن الندم و الحسرة في هذه الحياة الفانية ستزور قلبك ملايين المرات و لأسباب مختلفة شئت أمْ أبيت. قِصة و موقف: تأثرت حقاً عند سماع حسرة أب كسير مُثقل بالدموع عن فقد إبنه الذي لم يخبره بما يُحسّ حقاً تِجاه ما يفعله. كيف ذلك؟ دعني أسرد لك تفاصيل هذا الموقف بإيجاز شديد. بينما كان يعمل الأب في السِلك العسكري رأي ما يُرى من كَبد و جَلد فتمنى لـ إبنه أن يكون من طلبة العلم و مرتادي الجامعات لا أن يسلك طريقه و يمر بنفس ما مر به. تمر الأيام و يتقاعد الأب و يتفاجأ برغبة إبنه التي كانت تأخذه لطريق أباه بمواصلة الذود عن أراضي وطننا الغالي ؛ كان الأب يُظهر لإبنه عدم تقبله بقراره هذا. ذهب الإبن و مرت الأيام و كُلُّف في مهمة كانت من أطهر ما يفعل إنسان في حياته ؛ كان قد اختير للذهاب لجنوب المملكة لخوض الحرب في سبيل أمان الحرمين الشريفين و عامة المسلمين في هذا البلد الأمين بإذن الله. بعد فترة ليست بالبعيدة يصادف أن يستشهد الإبن و ينال ما سعى إليه من عز و شرف و منزلة في سبيل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" ؛ و هاهنا وُضع خط اللاعودة بين الأب...